شَمْسُ الاندِماج-ناجي نعمان /لبنان
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
حياة أدبا

شَمْسُ الاندِماج

  ناجي نعمان    

أنا س م 123987 ر، المَدعُوَّ خَفِيًّا، من قِبل أقرب أقْراني من الأُنموذَج س م/ر، "سامورا"، والَّذي تُفيدُ أجهزةُ "الذَّاكِرةِ الإنسانيَّة"(1)، المَحظورةِ رَسميًّا، أنَّ أُصولي قَد تَعودُ، لِحنطيَّةِ بَشَرتي وتَضاريسِ أنفي، إلى هَجينٍ ساميٍّ-هِند أورُﭙِّـي، مَوطِنُه ما كانَ يُعْرَفُ، قبلَ عام شافاط(2)، ببِلاد المَشْرِق؛ أَقولُ، أنا سامورا، أُوضِحُ ما يلي:
إنَّ الحَكيمَ رَيَّانَ التَّاسِعَ عَشَر - بعدَما يَئِسَ من إمكان صَلاح البَشَر، وتجاهَ المآسي الَّتي أَصابَتِ البَشَريَّةَ جَمعاء - عَزَمَ، هو الحَكيمُ الخَيِّرُ، وفي قَرارٍ لا عَودةَ عنه، على وَضْعِ حَدٍّ للوُجود البَشَريِّ على الأرض، ورُبَّما في مُختَلِف أنحاء الكَون المَسْكونَة، عن طريق تَسريع شَمس الاندِماج(3). وكانَ قَد آمَنَ بتلك الشَّمس كثيرون، وأَمِلوا في أنْ تَليَها، على أثَرِ انعِدام الزَّمان والمَكان، عَودةٌ فَوريَّةٌ لإنسانٍ جَديدٍ في زَمانٍ ومَكانٍ جَديدَين. وأَعَدَّ الحَكيمُ، لتلك الغاية، سِلاحَه التَّواتُريَّ(4) غَيرَ المُجَرَّبِ بَعد؛ وأَعْلَنَ عن تاريخ إطلاقه حتَّى يَتَهَيَّأَ مَن بَقِيَ من البَشَر للاندِماج، فالخَلاص.
وهَا إنَّ الخائِفين، بَعدُ، من اللاَّمَعلوم، و/أو الطَّامِحين إلى حَياةٍ أمدَد، يَسْتَعِدُّون - في مواجهة النَّتائج غَيرِ الأكيدة للسِّلاح المَذكور، ولاسيَّما لجِهة حَتميَّة قَضائه على الجِنس البَشَريِّ أينَما وُجِد، يابسةً وباطنَ أرضٍ وقَعرَ ماءٍ وفَضاءً - أَقولُ، هَا إنَّهم يَسْتَعِدُّون للاحتِماء: فمِنهم مَن رَكِبَ الفَضاءَ إلى أبعد ما اسْتَطاع، لِوَفرة ثَروته وإمكاناتِه التِّقانيَّة؛ ومِنهم مَن غاصَ في أعماق البِحار أو الأجحار الأرضيَّة المَحميَّة نِسبيًّا، لِقِلَّة ثَروته وإمكاناته؛ ومِنهم، أخيرًا، مَن هَلَّلَ لِشَمس الاندِماج أو لَم يَجِدْ إلى الهرب منها سَبيلاً، لِفَقره وضَعف إمكاناته، فتَرَكَ نَفْسَه لمَصيرها.

وكانَتِ البَشَريَّة، منذُ فَجر تَكوينها، وعلى مَرِّ العُصور، قَد اسْتَسْلَمَتْ للتَّسَلُّط والفَساد، فراحَ الاستِعبادُ، على الصَّعيد الفَرديّ، والاستِعمارُ، على صَعيد الشُّعوب، يَتَكَرَّرُ، زَمَنًا بعدَ زَمن، وإنْ بأسماءٍ وأشكالٍ مُختلِفة، حتَّى غَدا الاستِعبادُ يُصيبُ البَشَرَ في غالبيَّتهم، ومن بَدءِ تَصنيعهم.
وأمَّا التَّطوُّرُ العِلميُّ الهائِلُ الَّذي شَهِدَتْه البَشَريَّةُ فاتَّجَهَ شَطرَ جَعلِ الإنسانِ مُجرَّدَ أداةِ إنتاجٍ واستِهلاك، لا قيمةً بحَدِّ ذاته، إذْ ظَهَرَتْ - إلى عمليَّات التَّصنيع البَشَريّ - اكتِشافاتٌ تُقَيِّدُ الإنسانَ وتَسْعى لِتَنْزَعَ منه، لا حُرِّيَّتَه فقط، بَل، حتَّى، خَيالَه. ومن تلك الاكتِشافاتُ جَعلُ هالَةٍ مُمَيَّزَةٍ لكلِّ إنسانٍ تُفيدُ السُّلطاتِ المُسَيطِرةَ عليه بكلِّ تَحرُّكاتِه، أنَّى وُجِد، صَوتًا وصُورةً وحَجمًا، وتُؤَهِّلُ تلك السُّلطات، عندَ أيِّ شَكٍّ في تَصرُّفاته، أو لَدى مُحاولته عِصْيان أوامرها، تَوجيهَ أشعَّةٍ قاتِلةٍ تَقْضي عليه. ولَم يَسْلَمْ من تلك الهالَة سِوى قِلَّةٍ من الخِيار والأشْرار.
وإذْ سَبَقَ أنْ حَلَّ عامُ شافاط بأهواله، وباءَتْ مُحاولاتٌ عديدةٌ لإصلاح شؤون البَشَر بالفَشَل - ولاسيَّما مُحاولةُ الحَكيم رَيَّانَ الأوَّل، في البُعد التَّاسِعَ عَشَرَ بعدَ شافاط، الَّذي نَجَحَ في إحْلال فترةٍ خَيِّرة، ولَو إلى حين - إذْ عادَ الشَّرُّ إلى الظُّهور، لأنَّه، والخَيرَ، مُتناقِضان، والحَياةُ قائِمةٌ على المتَضادَّات؛ أَقولُ، إنَّ الكَونَ ما بَرِحَ يَتَخَبَّطُ في صِراعِ الخَيرِ والشَّرِّ حتَّى بَلَغَ اليَأْسُ البَشَر، فطَلَبَ قسمٌ منهم، جُلُّهم من الخِيار، تَسريعَ شَمس الاندِماج، فقامَ الحَكيمُ رَيَّانُ التَّاسِعَ عَشَرَ بقِيادة تيَّارهم، ووَعَدَ بتَشغيل سِلاح التَّواتُر الَّذي طَوَّرَ مُؤَخَّرًا من دون أنْ يُجَرِّبَ طَبعًا، في الشَّمس التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ من المُدَّة الخامِسةِ من البُعد الرَّابِعِ والخَمسينَ بعدَ الألف والتِّسعمِئة من شافاط.
وإنِّي - رَغبةً منِّي في الحِفاظ على التَّاريخ البَشَريّ - قَد أَرْفَقْتُ بنَماذج رسالَتي الحاضِرة الأربَعة، تَحليلاتٍ مُختلِفةً لكِتابة هذا التَّاريخ، في مُصَغَّراتٍ سَمْعيَّةٍ بَصَريَّةٍ حَجْميَّةٍ مُتعدِّدةِ اللُّغات، مع قارِئاتِها ذَواتِ القُوَّةِ المُحرِّكة، الذَّاتيَّةِ والدَّائمة، وأَوْدَعْتُ أولاها قَعرَ البَحر، وثانيها باطنَ الأرض، وثالثَها جِسمًا فَضائيًّا، واحْتَفَظْتُ برابِعها لاستِخدامٍ خاصٍّ مُمكِن، آمِلاً في أنْ يَنْجُوَ أحدُ هذه النَّماذج، فيُنْقَذُ التَّاريخُ البَشَريّ، بمَفاخِره ومآسِيه، ويَأْتي إنسانٌ جَديد، في عَصرٍ جَديد، فيَطَّلِعُ عليه، ويَأْخُذُ منه العِبَر، إنْ هو اعْتَبَر.

ويُقْسَمُ التَّاريخُ البَشَريّ، بحَسَبِ ذاكِرتي المُتَواضِعة، إلى مَراحلَ كبرى، هي:
* مَرحلةُ الإنسان البِدائيّ، وتَمْتَدُّ، في سُرعةٍ، بينَ ظُهور الإنسان الأوَّل واكتشافِه الأدَواتِ البِدائيَّةَ الأولى الَّتي مَثَّلَتْ، في ما مَثَّلَتْ، أوَّلَ آلاتِ القَتل والتَّدمير لديه؛
* مَرحلةُ الإنسان المُتَسَلِّح، وتَمْتَدُّ من التَّاريخ الأخير حتَّى اكتِشاف الإنسان السِّلاحَ النَّاريّ، وهي مَرحلةٌ تَطَوَّرَ فيها الإنسانُ، وزادَتْ فيها اختِراعاتُه وطُموحاتُه؛ ولَئِنْ هو تَطَوَّرَ روحِيًّا، فإنَّ حُبَّه السُّلطةَ والتَّسَلُّطَ قَلَّلَ من إنسانيَّته، فانْدَفَعَ وراءَ شَهواتِه، دونَما انضِباط، وضاعَ في مَتاهات الأديان الَّتي اكْتَشَفَ و/أو وَضَع، وتَسَلَّحَ غالِبًا بسَلبيَّاتِها للانقِضاض على جاره، وحتَّى، للسَّيطرة على أبناء بَيته؛
* مَرحلةُ الإنسان المُدَمِّر، وتَمْتَدُّ من التَّاريخ الأخير حتَّى يوم شافاط، وهي مَرحلةُ الاكتِشافات العِلميَّة الكُبرى والمُتَسارِعة، إذْ سَيْطَرَ الإنسانُ على قِواه، أكثرَ فأكثر، فتَمَكَّنَ بعضُ البَشَر من إخضاع الجَسَد للفِكر، وطَوَّرَ قُدُراتٍ شَخصيَّةً مَكَّنَتْه، مثلاً، من شِفاء أمراضه، والطَّيران، وغَيرِهما. ولَئِنْ تَوَصَّلَ البعضُ إلى إطالَة عُمر الإنسان عن طَريق تأخير الشَّيخوخة، فإنَّ أُولى مُحاولات زَرْع الذَّات البَشَريَّة خارجَ الجَسَد باءَتْ بالفَشَل. بَيْدَ أنَّ الفَوارِقَ الاجتِماعيَّةَ والعِلميَّةَ والمادِّيَّةَ بين البَشَر، بالإضافة إلى الانشِقاقات المَذهَبيَّة وكَثرة البِدَع والفِرق المُجتمعيَّة-الدِّينيَّة-العَقيديَّة، تَسَبَّبَتْ بحروبٍ عَبثيَّةٍ وبإيذاءِ الطَّبيعة على نِطاقٍ واسِع؛
* مَرحلةُ الإنسان الزَّائِل، وتَمْتَدُّ من التَّاريخ الأخير الَّذي شَهِدَ انتِقامَ الطَّبيعة من الإنسان حتَّى شَمس الاندِماج، في حال حَلَّتْ فِعلاً، ومَتى حَلَّتْ، وهي مَرحلةُ صِراع الإنسان مع الطَّبيعة الثَّائِرة، وحروبِ قِوى الخَير ضِدَّ قِوى الشَّرّ.

ولَئِنْ كُنْتُ من أتْباع نَظريَّة الحَكيم رَيَّانَ التَّاسِعَ عَشَرَ في تَسريع زَوال البَشَريَّة، وأُؤْمِنُ بالاندِماج، لا بَل أَنْتَظِرُه، فإنَّني أَهابُ المَوْت، وإنْ، فيه، الحُرِّيَّةُ المُطلَقَة. وعليه، سأَلْجَأُ إلى سِلاحي الخاصّ، غَيرِ المُجَرَّبِ هو الآخَر، لأُنْقِذَ نَفْسي والرَّقمَ ل م 789321 ر، حَبيبَتي "لامورا". وأمَّا وَسيلتي فآلةُ الانتِقال في الزَّمان والمَكان، وقَد تَحَكَّمْتُ بها، نِسبيًّا، لجِهة المَكان، وأَعْدَدْتُها لِتَعودَ بنا إلى المَشرِق، "موطِني"؛ بَيْدَ أنَّني لَم أَتَمَكَّنْ من التَّحَكُّم بها، بما فيه الكِفاية، لجِهة الزَّمان، لِذا لا أَدْري في أيِّ عَصرٍ ستَرْمي بنا، وأمَلي أنْ يَكونَ ذلك في زَمنٍ يَسْبِقُ وُصولَ البَشَرِ الأرضَ. وأمَّا طُموحي فأنْ أَعيشَ في ظِلِّ "الحُرِّيَّة" الَّتي ذُكِرَتْ في بعض كُتُب الأقدَمين، وأنْ أَتَحَسَّسَ، وحَبيبتي، "الحَنانَ" الَّذي ذُكِرَ في كُتُبٍ أخرى. فتلك الحُرِّيَّةُ، وذاك الحَنانُ، لمَّا زالا من الكَون، غاضَتِ البَشَريَّةُ في المادِّيَّة، فكانَ زَوالُها.



  ألحَواشي :
(1) "ألذَّاكِرةُ الإنسانيَّةُ" مُنظَّمةٌ سِرِّيَّةٌ مَحظورةٌ رَسميًّا تَسْعى - في مُواجهة تَصنيع "الإنسان المُرَكَّب" الَّذي دَرَجَ قُبيلَ شافاط وبعدَه - إلى تَذكير نَماذج البَشَر المُصَنَّعة بأُصولها وجُذورها، على قَدْرِ الإمكان، وذلك انطِلاقًا من لَون بَشَرة هذه النَّماذج وتَكوينها العامّ. كما شَجَّعَتْ هذه المُنظَّمة على الوِلادة الطَّبيعيَّة، على الرَّغم ممَّا تَشْكوه من مخاطر الضُّعف الجَسَديِّ والفِكريِّ قياسًا بالنَّماذج المُصَنَّعة المُتَفوِّقة.
(2) "عامُ شافاط"، بحَسَب ما جاءَ في "البُعد التَّاسِعَ عَشَرَ بعدَ شافاط" هو "العامُ الَّذي شَهِدَ انتِقامَ الطَّبيعة من أعمال البَشَر بعدَما فَقَدَ مُعظمُهم إنسانيَّتَه، فحَلَّتِ الكَوارثُ على أنواعها ومن كلِّ حَدَبٍ وصَوْب، فغاصَتْ مَناطقُ شاسِعةٌ وعامَتْ أُخرى، وزالَتْ عن الأرض مِلياراتُ البَشَر. وإذْ تَبَدَّلَتْ، منذُها، العوامِلُ الجُغرافيَّة، وتَحَوَّلَتْ حَياةُ مَن بَقِيَ من البَشَر تَحَوُّلاً كبيرًا، راحَ هَؤلاء يَعِتَمِدونَ تَقْويمًا تَأْريخيًّا جَديدًا لِما بعدَ عام شافاط، أو عام الكَوارث".
(3) "شمسُ الاندِماج"، بحَسَب ما جاءَ في المَرجِع السَّابق الذِّكر، هو "الوَفاةُ وما يرافِقُها من اندِماجٍ للإنسان الَّذي يَتْرُكُ جَسَدَه ويَحُلُّ في القُوَّة العُظمى".
(4) "ألسِّلاحُ التَّواتُريُّ" سِلاحٌ غَيرُ مُجَرَّبٍ لأنَّه غَيرُ قابِلٍ التَّجربةَ، ويَشْتَمِلُ على قُوَّةٍ تَدافُعيَّةٍ تَشْتَدُّ فاعِليَّتُها التَّدميريَّةُ وتَوَسُّعَ نِطاقها الَّذي لا حَدَّ له بحَيثُ يُصيبُ، في حال نَجاحه، الكَونَ بأسره.


من "الرَّسائل" - الرِّسالة التَّاسعةَ عشرة
©الحقوق محفوظة - دار نعمان للثقافة
  ناجي نعمان /لبنان (2010-10-23)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

شَمْسُ الاندِماج-ناجي نعمان /لبنان

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia